تمهيد
الأديان السماوية كلها متشابهة في النهاية من حيث اعترافها بإله واحد له أوامر وزواجر قد فرض على الناس التقيد بها. والاسلام، واحد من تلك الاديان لا يفترق عنها في هذه الحقيقة، ولكنه يتميز عنها بفارق هام جدا ورئيسي كذلك، وهو انه خال من التشويه والتحريف بخلافها، وانه حافظ على حقيقته وطبيعته التي نزل عليها طيلة اربعة عشر قرنا، مع ضمان قابليته للاستمرار والبقاء على ما هو عليه، بالرغم من تغير وانحراف الكثير من معتنقيه والؤمنين به، وهذا بخلاف بقية الاديان التي ما إن غاب المبشرون بها حتى أخذت في الانحراف عما رسموه لها.
هذا الفارق الذي يمتاز به الإسلام عن بقية الأديان يرجع الفضل فيه الى القرآن، إذ لولاه لما حصل على هذه الميزة، ولنستمع إلى عليّ عليه السّلام حيث يحدث عن القرآن وأهميته، فمن جملة ما قاله:
فَالْقُرآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثاقَهُ، وَارْتَهَنَ عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ، أَتَمَّ نُورَهُ، وَأكْرَمَ بِهِ دِينَهُ
وفي نهج البلاغة كلام كثير للإمام يدور حول أهمية القرآن وفضله و منزلته، ولن نطيل هنا باستعراضه، ولكن نقول:إن هذا القرآن قد عايشه أناس وعاشوا معه، وواكبوا نزوله آية فآية، وعلي عليه السّلام من هؤلاء، بل هو أولهم، ولا مبالغة في ذلك فإنه تربى في مهد النبوة وعاش في كنف الرسالة، فكان من الطبيعي أن يعيش القرآن بكل كيانه وجوارحه.